أكد الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى دراسة تجارب الدول التي واجهت ظروفًا اقتصادية صعبة وتمكنت من تجاوزها بالإرادة والتخطيط والعمل، هي دعوة مهمة واستراتيجية تهدف إلى تحقيق التغيير المطلوب وتحسين جودة حياة المواطنين، إلى جانب تحسين الأوضاع الاقتصادية بشكل عام.
وأوضح «السيد» في تصريحات لـ «الوطن»، أن تجربة دولة فيتنام تمثل نموذجًا جديرًا بالدراسة والتأمل، خاصة أنها تحمل العديد من أوجه التشابه مع التجربة المصرية من حيث التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي واجهتها في الماضي.
وأوضح أن الصادرات الفيتنامية خلال شهر يوليو 2025 فقط تجاوزت 42 مليار دولار، وهو رقم يعادل تقريبًا إجمالي صادرات مصر خلال عام 2024 بأكمله. وهذا يعكس التحول الكبير الذي حققته فيتنام خلال سنوات قليلة، بعد أن كانت تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة.
وأضاف أن هذا التحول لم يكن صدفة، بل نتيجة خطط اقتصادية واضحة وقوية، وإصلاحات شاملة في بيئة الأعمال، فتحت الباب أمام تدفقات ضخمة من الاستثمارات الأجنبية، حيث استقطبت شركات صناعية كبرى مثل سامسونج، وآبل، ونايكي. كما أولت فيتنام اهتمامًا كبيرًا بتطوير التعليم، مما ساعد على رفع كفاءة الأيدي العاملة في مختلف القطاعات.
وأشار إلى أن فيتنام استفادت أيضًا من موقعها الجغرافي المميز القريب من الصين، ما جعلها مركزًا بديلًا لجذب الشركات التي تبحث عن تنويع مواقع الإنتاج وتقليل الاعتماد على الصين. كما استفادت من القدرة الاستهلاكية الهائلة للسوق الأمريكي، حيث بلغ الفائض التجاري لفيتنام مع الولايات المتحدة في عام 2024 نحو 100 مليار دولار، وبلغت صادراتها إلى السوق الأمريكي 119.6 مليار دولار، ما جعل الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لها.
وأوضح السيد أن هناك أسباب أدت لنجاح تجربة فيتنام، أولها إصلاح السياسات الاقتصادية وبيئة الأعمال، إذ عدلت فيتنام التشريعات لتسهيل تسجيل الشركات، وتقليل البيروقراطية، وتسهيل الحصول على التراخيص. كما عملت على تحديث القوانين الاستثمارية لجعلها أكثر جذبًا للمستثمر الأجنبي، ووفرت تحفيزات ضريبية، وتسهيلات لوجستية، وطورت البنية التحتية للنقل والموانئ والمطارات، مما ساهم في خفض تكاليف الإنتاج والتصدير.
وِأشار إلى أن ثاني سبب يتمثل في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث اعتمدت فيتنام على سياسة التجارة المفتوحة، واستضافت شركات عالمية عملاقة، مستفيدة من انخفاض تكاليف العمالة والتسهيلات الجمركية، كما أبرمت اتفاقيات تجارية مع عدة تكتلات كبرى مثل الاتحاد الأوروبي وأمريكا وآسيان، ما فتح لها أسواقًا تصديرية جديدة وساعد على تنويع الشركاء الاقتصاديين.
وأكد أن السبب الثالث هو الاستثمار في التعليم وتنمية الموارد البشرية، حيث أولت الحكومة اهتمامًا كبيرًا بتحسين التعليم الفني والتقني، وربط المناهج بسوق العمل، مع التركيز على تدريب الشباب على المهارات المطلوبة، خاصة في مجالات اللغات الأجنبية، وتكنولوجيا المعلومات، وريادة الأعمال، مما رفع من كفاءة القوى العاملة وزاد من تنافسية البلاد.
وبين أن الاستفادة من الموقع الجغرافي لفيتنام، القريب من مراكز التصنيع العالمية، وخاصة الصين، على جعلها بديلًا جذابًا للشركات العالمية. كما استفادت من الفوارق الزمنية التي تتيح لها العمل المتزامن مع أسواق آسيوية وأمريكية، ما عزز مكانتها كمركز إنتاج وتصدير عالمي.
وأكد على أن السياسات النقدية والاقتصادية الكلية جعلت فيتنام تنجح في السيطرة على التضخم، والحفاظ على استقرار سعر الصرف، وتطبيق سياسات مالية متوازنة، مع رقابة فعالة على الإنفاق الحكومي، وتوجيه استثمارات البنية التحتية بشكل يخدم تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة.
التركيز على القطاع الصناعي والزراعي وقطاع الاتصالات
وأضاف مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية أن مصر تمتلك من الإمكانيات والموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجي والثروات المعدنية ما يجعلها قادرة على تحقيق نهضة اقتصادية شاملة، بشرط وضع خطة محكمة تستفيد من تلك الموارد وتتبنى نموذجًا شبيهًا بالتجربة الفيتنامية.
وأكد أن البداية يجب أن تكون من إصلاح التعليم، والتركيز على التدريب المهني والفني، وخاصة التدريب التحويلي، الذي يلبي احتياجات سوق العمل. كما دعا إلى التركيز على القطاع الصناعي والزراعي وقطاع الاتصالات، باعتبارها قطاعات تنموية تساهم في زيادة الإنتاج والصادرات وتحقيق النمو المستدام.